من ينابيع القرآن "الدنيا مرحلة يـقـطـعـهـا الإنسان ثـم تنتهـي "

ايها القارئ الكريم: الله سبحانه وتعالى يذكـر رحـلـة الإنسان من يـوم خـروجـه من بطـن أمـه، إلى يـوم وقـوفه بين يـديه سـبحانه وتعـالى، يـبين أن هـذه الحـياة الـدنيا مـرحـلة يـقـطـعـهـا الإنسان ثـم تنتهـي، يقـضي بعـضها في رحـم الأم الآدمـية، وبـعـضها في رحـم أمه الأرضية، منها الطـويـل ومنها القـصير،

ومنها البـعـيـد ، ومنها القـريب، فـبعـد أن ذكـر الله تعالى تكـذيب المـكـذبين بالحـق، أي بالبعـث بعـد المـوت للقـاء الله تعـالى، وبـعـد أن بـين أن الـذين كــذبـوا بالحـق هـم في أمـر مـريـج، وبـعـد أن ذكـر أمما من الـذين كـذبـوا رسـلهـم تسـلـية للنبي صلى الله عـلـيه وسـلم وإنـذارا للـكـفـار أن يحــل بهـم مـثـل ما حـل بأولـئـك ،

وبـعـد كل هـذا ذكـر المـكـذبـين بان الله تعـالى هـو الـذي خـلـقـهـم ، وأنه أقـرب إليهـم من نفـوسـهـم، وذكـر ما اقـتضـته حـكمـته من جـعـله الملائكـة حـفـظة، لأعــمـال بني آدم يـكـتبـونها في كـتـب تنشـر يـوم القـيامة يـقال لـكل واحـد منهـم (اقـرأ كـتابك كـفى بنـفسـك عـليـك حـسيبا (سـورة الإسـراء 14، فـبـدأ هـذا السـياق بـقـوله تعالى (ولـقـد خـلـقـنا الإنسان ونعـلم ما تــوسـوس به نفـسه ، ونحـن أقـرب إليه من حـبـل الـوريـد) سـور ( ق ) 16 ،

أما خـلـق الله تعالى للإنسان فأمـر لا يشـك فـيه أحـد، ولـو كـفـرة قـريش أنفـسهـم، وقـد شهـد الله تعالى لهـم بـذلك بقـوله (ولـئن سألتهـم من خـلقهـم لـيـقـولـن الله فأنى يـؤ فـكـون) سـورة الـزخـف 87 ، لأن هـذه عـقـيـدة فـطـريـة، فـطـر الله عـيها قـلـب كـل إنـسان إلا أن يـفـسـد هـذه الفـطـرة أشـياء خارجـية فـتضله وتـزيغـه فإذا كانت الفـطـرة سـليمة نقـية أدرك الإنسان من تـلقاء نفـسه، بأن له خالقا قـديـرا حـكـيما مـدبـرا هـو الـذي خـلـقه وهـو الـذي يمـده بالحـياة، ونحـن نعـلـم هـذا من فـطـرة أولادنا الصغـار فإذا سـألت ولـدا صغـيرا عـن شيء مادي كالطـعـام واللباس: مـن أعـطـاك هـذا؟ ، يـقـول لـك: أعـطـاني إياه أبي أو أمي، ولـكـن إن سـألته عـن عـضـو من أعـضاء جـسمه يـده أو عـينه أو أذنه مـن أعـطاك هـذا؟ .

يـقـول بالفـطـرة أعـطاني إياه ربي، فـاسـتطـاع هـذا الصـغـير بالفـطـرة بأن يـفـرق بـين الأمـور، ويتصـور أن هـناك إلها، ولـو لم يـهـتـد إلى أن اسـمه (الله)، ولـكـنه يــدرك أن خـالـق جـسمه ليس أباه ولا أمه، وإنما هـو خـالـق قـديـر حـكـيم، ولا يـراه ولـكـنه يـدركـه بآثـاره، وهـذه هي الفـطـرة التي فـطـر الله الناس عـليها .
لهـذا كان المشـركـون إذا سـئلـوا عـن من خـلقـهـم؟ ومن خـلـق السمـاوات والأرض؟، أو مـن سـخـر الشـمس والقـمـر؟، يـجـيـبـون دائما (الله)، ومـن هـذا قـوله تعـالى (قـل لمـن الأرض ومـن فـيها إن كـنتـم تعــلمـون؟، سيـقـولـون لله قـل أفـلا تـذكـرون ، قـل مـن رب السماوات السـبع ورب العـرش العـظـيم، سـيـقـولـون لله قـل أفـلا تـتقـون قـل من بـيـده مـلكـوت كل شيء وهـو يجـير ولا يجـار عـليه إن كـنتم تعـلـمون سيقـولـون لله قـل فأنى تسـحـرون) سورة المـؤمنـون 84/89 .
فإذا كان الله خالـقـكـم، وهـو مالك السماوات والأرض، وهـو رب العـرش العـظـيـم، فأنى تـؤفـكـون؟، وأنى تصـرفـون؟، أفـلا تـتقـون؟ ، أفـلا تـذكـرون؟ ، أوليس هـذا هـو الـذي يسـتحـق الإيـمان بـو حـدا نيته والتعـبـد له؟، ويسـتحـق الطاعـة المطـلقة في كل أمـر وكل نهي؟ .
قال الله تعالى عـلى صـيغـة التـوكـيـد (ولـقـد خـلقـنا الإنسان) هـكـذا باللام المشعـرة بقـسم محـذوف، ثـم تحـدث عـن نفـسه سـبحانه بنـون العـظـمة، ولا عـظــيم إلا الله تعالى.
قال تعالى (ونعـلـم ما تـوسوس به نفـسه)، هـذا هـو الأمر العـجـيب، الـذي تخضـع له الـرقاب وتعـنـو له الـوجـوه، إنه يجـب أن تخـضـع له كل رقـبة، ويـذل له كل رأس أجـلالا لمـقـامه، وتـقـديرا لمـراقـبته، فالله تعالى يـقـول: لنا : إنني رقـيب عـلى أعـمالكم ، لا عـلى اعـمالكـم الظاهـرة فـقـط ، كحـركات أيـديـكـم وأرجـلـكم ، ونظـرات أعـينـكـم وخـلسات آذانـكـم، فـهـذه أمـور ظـاهـرة يـراها كل واحـد مـنـكـم، ولـكـنني رقـيب عـليم بما تـوسوس به نفـوسـكـم والتعـبير بالـوسوسـة عـجـيب في بابه، لأن الـوسـوسة هـي الصـوت الخـفي الذي لا يـدرك ولا يـسمع، أو يستمـع بصـعـوبة، والـوسواس الـذي نحـس به في صـدورنا، ليـس فـيه حـرف من أحـرف الهجـاء، ولا كلمة من كمات اللغـة، بـل ليـس فـيه حـركة أبـدا، وإنه حـيـث أمـر الـقـرآن في هـذا التعـبير البـليـغ، فـلـو كان من غـير الله لـقال: نعـلم ما تحـدث به نفـسـه، ولـكـنه لما كان من الله تعالى عـدل عـن هـذا، فـقال: {ونعـلـم ما تـوسوس به نفـسه}.

ذلك لأن الحـديث أجهـر وأظهـر من الـوسـوسـة، ولكي يتضـح لنا المعـنى أكـثر نستعـمل التعـبير المـتـداول عـنـدنا بـكـلام القـلب يـقـول أحـد للآخـر: قال لي قـلبي أو يكلمني قـلبي، وما أكـثر الناس الـذين يأتـون إلينا يـطـلبـون أن نـرقـيهـم، لأن قـلـوبهـم تكلمهـم، وهـذه الـوسوسة أو هـذا الـوسـواس الـذي قـد يبتـلى به كـثـير من الناس، خـصوصا في العـصـر الحاضـر عـصر العـلم ، وكل واحـد مـنا يـعـتريه الـوسواس العـام أو ما يسمى بحـديث النفـس، ولـكـن بعـض الناس قـد يـصابـون بنـوع مـن الـوسواس غـير الوسواس العـادي، يضـيق عـليهـم حـياتهـم، فـيظـلـون في هـم وغـم أبـدا، وإننا لنسأل الله تعالى أن يحـفـظـنا منه، لأن الـذي يـصاب به يـلـزمه الأرق والضـيـق، فـلا يـجـد طـعـم النـوم، ولا يـذوق لـذة الـراحـة.
فالوسواس هـو ما يـعـبر عـنه بـكلام القـلب، ولـكـن ليـس له صـوت يسمع، فالشـفـتان مطـبقـتان واللسان سـاكـن، ولـكـن القـلـب يـتردد فـيه خـطاب وجـواب وسـؤال ومـناقـشة، قــد تستغـرق الساعات الطـوال دون أن يتحـرك لسان أو تنبس شـفة أو تسمع أذن .
كما يستـعـمـل الوسواس أيضا فـيما يـلقـيه الشـيطان في القـلب، هـذا الـذي أمـرنا الله تعالى أن نتعـوذ منه في قـوله تعالى: {قـل أعـوذ بـرب الناس ملك الناس إلـه الناس من شــر الوسواس الخـناس، الـذي يـوسوس في صـدور الناس من الجـنة والناس} الناس .
حـتى إنه أطـلـق عـلى الشـيطان نفـسه (الـوسواس)، أخـذا من وسوسـته وعـمله طـول الـدهـر في صـدور الناس، فالشـيطان لا يأتي الإنسان مـواجهـة ويـكلمه مجابهة، وإنما يأتيه مـن داخـل صـدره يـوسوسه، وإننا لا نعـم كـيفـية اتصال الشـيطان بـقـلب الإنسان، حـتى يـلقي فـيه وسـواسه، ولـكـن الله تعـالى قـد وصـفه بالخـناس، ومعـنى كـون الشـيطان خـناسا أنه إذا كان منشـغـلا بـوسوسة قـلـب أي إنسان ومـقـبلا عـلى إضلاله، ثـم جـاءه ملك الإلهام من قـبـل الله تعالى بالنـور الــذي يـقـاوم به ذلك الـوسـواس ، فإن الشـيطان يخـنـس ويتأخـر، وهـذا هـو الخـنس، ولـذلك سـمي خـناسا، يـريـد الله تعالى أن يشـير بهـذا إلى أن وسوسة الشـيطـان لا تـدوم إلا لـبعـض الـوقـت، لأن الإلـهـام الـذي يأتي من الله سـيحـل في القـلب فـيخنـس الشـيطان وهـذه كلها من أسـرار الله تعالى الخاصة به، والتي لا عـلم لأحـد بها مطـلقـا .
هـذا، وإنه بإمـكان الإنسان أن يمـيـز بـين الـوسواس والإلـهام، وبين الشـيطان ومـلك الإلهام، فالملك يـدعـو دائـما إلى الخـير، والشـيطان يـدعـو دائـما إلى الشـر، وهـناك أمارات أخـرى ذكـرها خـبراء النفـس، منها أن الشـيطان يأتي النـفـس من قـبـل هـواها، أي يـترصـد ما تمـيل إليه النفـس بـطـبيعـتها، فـيقـويه، كحـب المال وحـب المتعة وحـب الجاه وحـب النساء وهـذا ما يـلوذ به العـباد، والمراقـبـون للحـركات النفـسية، فـإذا تضاربت في قـلب أحـدهـم دعـوتان افـعــل كـذا أو كـذا، أو تـردد بـين أن يـفـعـل أو أن لا يـفـعـل، فإنه ينظـر إلى ما تمـيـل إليه نفـسه بطـبـعهـا فـيـتركه ويـفـعـل الأمـر الآخـر .

فائـدة :
سأل بعـض الناس الإمام الشافـعي عـن ثـمانية أشـياء فـقالوا له: ما رأيـك في واجـب وأوجـب، وعـجـيب وأعـجـب، وصـعـب وأصـعـب، وقـريب وأقـرب، فـرد الإمام الشافعـي بقـوله جـوابا عـلى تلك الأسـئلة بـديهـة :
من واجب الناس أن يتوبوا***ولكن تـرك الـذنوب أوجب
والدهر في صرفه عجيب ***وغـفـلة الناس عـنه أعجب
والصبر في النائبات صعب ** ولكن فوات الثواب أعجب
وكل ما ترتجي قريب *** والموت من دون ذلك أقـرب

وللحـديث بقـية إن شـاء الله نـواصله في حـلقة قـادمة ..

جزااك ربي كل خير

وجعله في ميزان حسنااتك

وجعل الجنه دارك يوم الاخره

جَزْآٍكْـ.. آللهٌ.. كًٌلّ.. خًـيـْرَ
وَجْعٌلّ.. مًثْوِآكّْـ.. آلجًنْهَ ~
وَجٌعلْ ..لَكٍْـ.. فيّ.. كٌٍلْ.. حَرْفّ.. حَسٌنٍْهَ
لآًعْدٌمْنَآ.. جّـدْيٌٍدًكُِـ

يعطيك العافيه ع الطرح الممتع
ولا حرمنا من روعة تواجدك
تحياتي الحاره لك
يسلمواااااااااااااا

» القرآن الكريم بصوت أشهر القراء(